فصل: سنة تسع وعشرين ومائتين وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة تسع وعشرين ومائتين وألف:

.شهر المحرم سنة 1229:

استهل بيوم الجمعة، فيه في ليلة الجمعة ثامنه وردت مكاتبات من الديار الحجازية وفيها الأخبار بأن الباشا قبض على الشريف غالب أمير مكة وقبض على أولاده الثلاثة وأربعة عبيد طواشية من عبيده وأرسلهم إلى جدة وأنزلهم في مركب من مراكبه وهي واصله بهم والذي وصل في مركب صغير تسمى السبحان سبقتهم في الحضور إلى السويس وأخبروا أيضاً في المكاتبة أنه لما قبض عليهم أحضر يحيى ابن الشريف سرور وقلده الأمارة عوضاً عن عمه غالب وقبضوا أيضاً على وزيره الذي بجدة وأصحبوه معهم وقلد مكانه في الكمارك شخصاً من الأتراك يسمى علي الوجاقلي فلما وصل الهجان بهذه المكاتبة إلى السيد محمد المحروقي ليلاً ركب من وقته إلى كتخدا بك في بيته وأطلعه على المكاتبات فلما طلع النهار نهار يوم الجمعة ضربوا عدة مدافع من القلعة إعلاماً وسروراً بذلك.
وفيه، احتفل كتخدا بك بعمل مهم أيضاً لزواج إسمعيل باشا ابن محمد علي باشا ومحمد بك الدفتردار على ابنة الباشا وإسماعيل باشا على ابنة عارف بم ابن خليل باشا التي أحضرها صحبته من إسلامبول وقد ذكر العقد عليهما في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان من السنة الماضية قبل توجه الباشا إلى الحجاز فألزم كتخدا بك السيد محمد المحروقي بتنظيم الفرح والاحتياجات واللوازم واتفقوا على ان يكون نصبة الفرح ببركة الأزبكية تجاه بيت حريم الباشا وطاهر باشا تعمل الولائم واجتماع المدعوين ببيت طاهر باشا والمطبخ بخرائب بيت الصابونجي وأرسلوا أوراق التنابيه للمدعوين على طبقات الناس بالترتيب ونصبوا بوسط البركة عدة صواري لأجل الوقدات والقناديل التي تعمل عليها التصاوير من القناديل فترى من البعد صورة مركب أو سبعين متقابلين أو شجرة أو محمل على جمل أو كتابة مثل ما شاء الله ونحو ذلك وصفوا بوسط البركة عدة مدافع صفين متقابلين ونصب بهلوان الحبل حبله أوله من تجاه بيت الباشا وآخره برأس المنارة التي جهة حارة الفوالة خلف رصيف الخشاب حيث الأبنية المتخربة في الحوادث الماضية بالقرب من القشلة وعمارات محمد باشا خسرو التي لم تكمل وبهلوان آخر شامي بالناحية الأخرى وانتقل السيد محمد المحروقي من داره إلى بيت الشرايبي تجاه جامع أزبك لأجل مباشرة المهمات فلما أصبح يوم السبت وهو يوم الابتداء ودعوة الأشياخ رتبوهم فرقتين فرقة تأني ضحوة النهار وأخرى بعد العصر واجتمع بالأزبكية أصناف أرباب الملاعيب والمغزلكين والجنباذية والحببظية والحواة والقرداتية والرقاصين والبرامكة وغير ذلك أصناف وأشكال فاحتفلت وأقبل من كل ناحية أصناف الناس رجال ونساء وأقارب وأباعد وأكابر وأصاغر وعساكر وفلاحون ويهود ونصارى وأروام لأجل التفرج حتى ازدحمت الطرق الموصلة إلى الأزبكية من جميع النواحي بأصناف الناس الذاهبين والراجعين والمترددين واستمر ضرب المدفع من ليلة السبت المذكور إلى ليلة الجمعة التالية الأخرى ليلاً ونهاراً والحرائق والنفوط والسواريخ في الليل ولعبت أرباب الملاعيب والبهلوانات على الحبال وكذلك احتفل النصارى وعملوا وقدات وحراقات تجاه حاراتهم ومساكنهم وصادف ذلك عيد الميلاد وعملوا لهم مراجيح وملاعيب.
وفي أثناء ذلك، وقع التنبيه على أصحاب الحرف والصنائع بعمل عربات مشكلة وممثلة بحرفتهم وصنائعهم ليمشوا بها في زفة العروس فاعتنى أهل كل حرفة وصناعة بتنميق وتزيين شكله وتباهوا وتناظروا وتفاخروا على بعضهم البعض فكان كل من سولت له نفسه وحدثه الشيطان بأحدث شيء فعله وذهب إلى المتعين لذلك فيعطيه ورقة لأن ذلك لم يكن لأناس مخصوصة أو عدد مقدر بل بتحكماتهم وإلزام بعضهم البعض فيفرض رئيس الحرفة على أشخاص أهلها فرائض ودراهم يجمعها منهم وينفقها على العربة وما يلزمها من أخشاب وحبال وحمير أو خيل أو رجال يسحبونها وما يكتريه أو يستعيره لزينتها من المزركشات والمقصبات والطليعات وأدوات الصنعة التي تتميز بها عن غيرها فتصير في الشكل كأنها حانوت والبائع جالس فيها كالحلواني وأمامه الأواني فيها أنواع الحلو والسكري وحوله أواني الملبس وأقماع السكر معلقة حوله والشربات والشربتلي والعطار والحريري والعقاد البلدي والرومي والزيات والحداد والنجار والخياط والقزاز والحباك والنشار وهو ينشر الخشب بمنشاره المعلق والطحان والفران وعه الفرن وهو يخبز فيه والفطاطري والجزار وحوله لحم الغنم ومثله جزار الجاموس والكبابجي والنيفاوي وقلاء الجبن والسمك والجيارين والجباسين بالبحر والثور يدور به وهو ماش بالعربة والبناء والمبلط والمبيض النحاس وللبناء والسمكري تتمته إحدى وتسعون عربة وفيهم حتى المراكبي في قنجة كبيرة كامل العدة والقلوع تمشي على الأرض على العجل خلاف أربع عربات المختصة بالعروس فلما كان يوم الأربعاء سحبوا تلك العربات وانجروا بمواكبهم وطبولهم وزمورهم وأمام كل عربة أهل حرفتها وصناعتها مشاة خلف الطبول والزمور وهم مزينون بالملابس وملابسهم الفاخرة وأكثرها مستعارة فكانوا ينزلون إلى البركة من ناحية باب الهواء ويمون من تحت بيت الباشا إلى ناحية رصيف الخشاب ويأتي كبير الحرفة بورقته إلى المتعين لملاقاتهم فينعم عليه بخلعة ودراهم فيعطي البعض شال كشميري وألفين فضة والبعض طاقة تفصيلة قطني أو أربعة أذرع جوخ على قدر مقام الصنعة وأهلها واستمر مرورهم من أول النهار إلى بعد الغروب واصطفوا بأسرهم عند رصيف الخشاب ولما أصبح يوم الخميس رتبوا مرور الزفة وعيت لترتيبها أشخاصاً ومنهم السيد محمد درب الشمسي وهو كبير المنظمين وكان خروجها من بيت الحريم وهو الذي كان سكن الشيخ خليل البكري وذهبوا وانجروا على طريق الموسكي على تحت الربع إلى باب زويلة إلى الغورية إلى بين القصرين إلى سوق مرجوش إلى باب الحديد إلى بولاق إلى سراية إسمعيل باشا التي جددوها قبلي بولاق قريباً من الشون فلم تصل إلى منزلها إلا عند الغروب وكان في أول الزفة طائفة من العسكر الدلاة ثم والي الشرطة ثم المحتسب ثم موكب أغات الينكجرية وبعدهم المساخر والنقاقير وعدتها عشرة نقاقير وعلى كل نقارة تفصيلة ثم العربات المذكورة وفيها أيضاً تجار الغورية وطائفة تجار خان الخليلي في موكب حفل وتجار الحمزاوي من نصارى الشوام وغيرهم وكان يوماً مشهوداً اجتمعت فيه الخلائق للفرجة في طرقها حتى طريق بولاق واكترى الناس الأماكن المطلة على الشارع والحوانيت بأغلى الأثمان ولما وصلت العروس إلى قصرها ضربوا عدة مدافع من بولاق والأزبكية والجيزة وكان العزم على المهم الثاني والابتداء فيه من يوم السبت الذي بعد الجمعة فرسموا بتأخيره إلى الجمعة الأخرى لتأخر أم العريس ومن يصحبها من النساء وأقمن ببولاق تلك الجمعة واستمرت قصبة الصواري والحبال والآلات على حالها بالأزبكية.
وفي يوم الأحد سابع عشره، وصل السيد غالب شريف مكة إلى مصر القديمة وقد أتت به السفينة من القلزم إلى مرساة ثغر القصير فتلقاه إبراهيم باشا وحضر صحبته إلى قنا وقوص ثم ركب النيل بمن معه من أولاده وعبيده والعسكر الواصلين صحبته وحضر إلى مصر القديمة فلما وصل الخبر إلى الكتخدا بك ضربوا عدة مدافع من القلعة إعلاماً بوصوله وإكراماً على حد قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}. ركب صالح بك السلحدار وأحمد آغا أخو كتخدا بك في طائفة لملاقاته وإحضاره وهيئوا له مكاناً بمنزل أحمد آغا أخي كتخدا بك بعطفة ابن عبد الله بك بخط السروجية لينزل فيه وانتظره الكتخدا هناك وصحبته بونابارته الخازندار ومحمود بك ومحو بك وإبراهيم أغا أغات الباب والسيد محمد المحروقي فلما وصل إلى الدار نزل الكتخدا والجماعة ولاقوه عند سلم الركوبة وقبلوا يده ولزم الكتخدا بيده تحت إبطه حتى صعد إلى محل الجلوس الذي أعدوه له واستمر الكتخدا قائماً على قدميه حتى أذن له في الجلوس هو وباقي الجماعة وعرفه الكتخدا عن السيد محمد المحروقي فتقدم وقبل يده فقام له وسلم عليه وجلس بحذاء الكتخدا ليترجم عنه في الكلام ويؤانسوه ويطمنوا خاطره ثم أن الكتخدا اعتذر له باشتغاله بأحوال الدولة واستأذنه في الذهاب إلى ديوانه وعرفه أن أخاه ينوب عنه في الخدمة ولوازمه فقبل عذره وقام منصرفاً هو وباقي الجماعة ما عدا السيد محمد المحروقي ومحمود بك فإن الكتخدا أمرهما بالتخلف عنده ساعة فجلسا معه وتغديا صحبته ومعه أولاده الثلاثة وعبيده ثم انصرفا إلى منزلهما ولم يأذن الكتخدا لأحد من الأشياخ أو غيرهم من التجار بالسلام عليه والاجتماع به والذي بلغنا في كيفية القبض عليه أنه لما ذهب الباشا إلى مكة واستمر هو وابنه طوسون باشا مع الشريف غالب على المصادقة والمسالمة والمصافاة وجدد معه العهود والإيمان في جوف الكعبة بأن لا يخون أحد صاحبه وكان الباشا يذهب إليه في قلة وهو الآخر يأتي إليه وإلى ابنه واستمروا على ذلك خمسة عشر يوماً من ذي القعدة دعاه طوسون باشا إليه فأتى إليه كعادته في قلة فوجد بالدار عساكر كثيرة فعندما استقر به المجلس وصل عابدين بك في عدة وافرة وطلع إلى المجلس فدنا منه وأخذ الجنبية من حزامه وقال له أنت مطلوب للدولة فقال سمعاً وطاعة ولكن حتى أقضي أشغالي في ظرف ثلاثة أيام وأتوجه فقال لا سبيل إلى ذلك والسفينة حاضرة في انتظارك فحصل في جماعة الشريف وعبيده رجة وصعدوا على أبراج سرايته وأرادوا الحرب فأرسل إليهم الباشا يقول لهم عن وقع منكم حرب أحرقت البلدة وقتلت أستاذكم وأرسل لهم أيضاً الشريف يكفهم عن ذلك وكان بها أولاده الثلاثة فحضر إليهم الشيخ أحمد تركي وهو من خواص الشريف وخدمهم وقال لهم لم يكن هناك بأس وإنما والدكم مطلوب في مشاورة مع الدولة ويعود بالسلامة وحضرة الباشا يريد أن يقلد كبيركم نيابة عن أبيه إلى حين رجوعه ولم يزل حتى انخدع كبيرهم إلى كلامه وقاموا معه فذهب بهم إلى محل خلاف الذي به والدهم محتفظاً بهم وفي الوقت أحضر الباشا الشريف يحيى بن سرور وهو ابن أخي الشريف غالب وخلع عليه وقلده أمارة مكة ونودي في البلدة باسمه وعزل الشريف غالباً حسب الأوامر السلطانية واستمر الشريف غالب أربعة أيام عند طوسون باشا ثم أركبوه وأصحبوا معه عدة من العسكر وذهبوا به وبأولاده إلى بندر جدة وأنزلوهم السفينة وساروا بها إلى ناحية القصير من صعيد مصر وحضر كما ذكر.
وفي يوم الأربعاء، وصل قاصد من الديار الرومية وعلى يده مثالان فعمل كتخدا بك ديواناً في صبحية يوم الخميس حادي عشرينه وقرئ ذلك وهما مثالان يتضمن أحدهما التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر على السنة الجديدة والثاني الأخبار والبشارة باستيلاء العثمانيين على بلاد الصرب ولما فرغوا من قراءتهما ضربوا عدة مدافع من القلعة وفي عصرية ذلك اليوم حضر حريم الباشا من بولاق إلى الأزبكية في عربات فضربوا لحضورهن مدافع من الأزبكية وشرعوا في عمل المهم الثاني لابنة الباشا علي الدفتردار وافتتحوا ذلك من ليلة السبت على النسق المتقدم وعملوا العزائم والولائم واحتفلوا زيد من المهم الأول وأحضروا الشريف غالباً وأعدوا له مكاناً بيت الشرايبي على حدته هو وأولاده ليتفرجوا على الملاعيب والبهلوانات نهاراً والشنك والحراقات ليلاً وعلى الشريف وأولاده الحرس ولا يجتمع بهم أحد على الوجه والصورة التي كانوا عليها بالمنزل الذي أنزلوا فيه فلما كان يوم الأربعاء اجتمع أرباب العربات وأصحابها وقد زادوا عن الأولى خمسة عشر عربة وفيهم معمل الزجاج وباتوا بنواحي البركة على النسق المتقدم ونصبوا لهم خياماً تقيهم من البرد والمطر لأن الوقت شات، ولما أصبح يوم الخميس انجرت العربات وموكب الزفة من ناحية باب الهواء على قنطرة الموسكي على باب الخرق على درب الجماميز وعطفوا من الصليبة على المظفر على السروجية على قصبة رضوان بك على باب زويلة على شارع الغورية على الجمالية على سوق مرجوش على بين السورين على الأزبكية على باب الهواء إلى المنزل الذي أعدوه لها وهو بيت ابن إسمعيل بك وهي بنت إبراهيم بك، وكانت متزوجة بإسمعيل بك ولما مات تزوج بها مملوكه محمد أغا ويعرف بالألفي وقد تولى أغاوية مستحفظان في هذه الدولة واعتنى بهذا الدار وعمر بها مكانين بداخل الحريم وزخرفها ونقشها نقشاً بديعاً صناعة صناع العجم واستمروا في نقشها سنتين، ولما ماتت المذكورة في أوائل هذه السنة واستمر هو ساكناً فيها وأنزل الباشا عنده القاضي المنفصل عن قضاء مصر المعروف ببهجة أفندي وقاضي مكة صادق أفندي حين حضر من إسلامبول، ثم أمره الباشا بالخروج منها وإخلائها لأجل أن يسكن ابنته هذه المزفوفة فخرج منها في أوائل شوال وكذلك سافر القاضيان إلى الحجاز بصحبة الباشا وعند ذلك بيضوها وزادوا في زخرفتها وفرشوها بأنواع الفرش الفاخرة ونقلوا إليها جهاز العروس والصناديق وما قدم إليها من الهدايا والأمتعة والجواهر والتحف من الأعيان وحريماتهم حتى من نساء الأمراء المصريين المنكوبين، وقد تكلفوا فوق طاقتهم وباعوا واستدانوا وغرموا في النقوط والتقادم والهدايا في هذين المهمين ما أصبحوا به مجردين ومديونين، وكان إذا قدمت إحدى المشهورات منهن هديتها عرضوها على أم العروسين التي هي زوجة الباشا فقلبت ما فيها من المصاغ المجوهر والمقصبات وغيرها فإن أعجبتها تركتها وإلا أمرت بردها قائلة هذا مقام فلانة التي كانت بنت أمير مصر أو زوجته فتتكلف المسكينة للزيادة، ونحو ذلك مع ما يلحقها من كسر الخاطر وانكساف البال، ثم أدخلوا العروس إلى تلك الدار عندما وصلت بالزفة.
ومما حصل أنه قبل مرور موكب الزفة بيومين طاف أصحاب الشرطة ومعهم رجال وبأيديهم مقياس فكلما مروا بناحية أو طريق يضيق عن القياس هدموا ما عارضهم من مساطب الدكاكين أو غيرها من الجهتين لاتساع الطريق لمرور العربات والملاعيب وغيرها فأتلفوا كثيراً من الأبنية ونودي في يوم الأربعاء بزينة الحوانيت والطرق التي تمر عليها الزفة بالعروس ومما حصل من الحوادث السماوية أن في يوم الخميس المذكور عندما توسطت الزفة في مرورها بوسط المدينة أطبق الجو بالغيام وأمطرت السماء مطراً غزيراً حتى تبخرت الطرق وتوحلت الأرض وابتلت الخلائق من النساء والرجال المجتمعين للفرجة وخصوصاً الكائنين بالسقائف وفوق الحوانيت والمساطب، وأما المتعينون للمشي في الموكب ولا بد الذين لا مفر لهم من ذلك ولا مهرب فاختل نظامهم وابتلت ثيابهم وتكدرت طباعهم وانتقضت أوضاعهم وزادت وساوسهم وتلفت ملابسهم وهطل الغيث على الإبريسم والحرير والشالات الكرخانة والسليمي والكشمير وما زينت به العربات من أنواع المزركش والمقصبات ونفذت على من بداخلها من القيان والأغاني الحسان وكثير من الناس وقع بعدها تزحلق وصار نوبه بالوحل أبلق ومنهم من ترك الزفة وولى هارباً في عطفه يمسح يديه في الحيط بما تلطخ بها من الرطريط وتعارجت الحمير وتعثرت البياجير وانهدم تنور الزجاج، ولم ينفع به العلاج وتلف للناس شيء كثير ولا يدفع قضاء الله حيلة ولا تدبير، ولم تصل العروس إلى دارها إلا قبيل دنو الشمس من غروبها، وعند ذلك انجلى الجو وانكشفت بيوت النو ووافق ذلك اليوم ثالث عشر طوبه من شهور القبط المحسوبة وحصل بذلك الغيث العميم النفع لمزارع الغلة والبرسيم.
وفيه وردت مكاتبات من العقبة فيها الأخبار بوصول قافلة الحج صحبة المحمل وأميرها مصطفى بك دالي باشا.
وفي يوم الجمعة تاسع عشرينه، وصل كثير من الحجاج الأتراك وغيرهم وردوا في البحر إلى بندر السويس ووصل تابع قهوجي باشا وأخبر عنه أنه فارق مخدومه من العقبة، ونزل في مركب مع أم عابدين بك وحضر إلى السويس.

.شهر صفر سنة 1229:

واستهل شهر صفر بيوم الأحد مما وقع في ذلك اليوم من الحوادث أن صناع البارد الكائنين بباب اللوق حملوا نحو عشرة أحمال من الجمال أوعية ملآنة باروداً وهي الظروف المصنوعة من الجلود التي تسمى البطط يريدون بها القلعة فمروا من باب الخرق إلى ناحية تحت الربع فلما وصلوا تجاه معمل الشمع وبصحبة الجمال شخص عسكري فتشاجر مع الجمال ورد عليه القول فحنق منه فضربه بفرد الطبنجة فأصابت إحدى البطط فالتهبت بالنار وسرت إلى باقي الأحمال فالتهب الجميع وصعد إلى عنان السماء فاحترقت السقيفة المطلة على الشارع وما بناحيتها من البيوت والذم أسفلها من الحوانيت وكذلك من صادف مروره في ذلك الوقت واحترق ذلك العسكري والجمال فيمن احترق واتفق مرور امرأة من النساء المحتشمات مع رفيقتها فاحترقت ثيابها مع رفيقتها وذهبت تجري والنار ترعى فيها وكانت دارها بالقرب من تلك الناحية فيما وصلت إلى الدار حتى احترق ما عليها من الثياب واحترق أكثر جسدها ووصلت الأخرى بعدها وهي محترقة وعريانة فماتت من ليلتها ولحقتها الأخرى في ضحوة اليوم الثاني ومات في هذه الحادثة أكثر من المائة نفس من رجال ونساء وأطفال وصبيان وأما الجمال فأخذوها إلى بيت أبي الشوارب وهي سود محترقة الجلود وفيها من خرجت عينه فإما يعالجوها أو ينحروها وكل هذا الذي حصل من الحرق والموت والهدم في طرفة عين.
وفي الاثنين وصل مصطفى بك أمير ركب الحجاج إلى مصر وترك الحجاج بالدار الحمراء فبات في داره وأصبح عائداً إلى البركة فدخل مع المحمل يوم الأربعاء ودخل الحجاج وأتبعهم بحيث أنه أخذ المسافة في أحد وعشرين يوماً وسبب حضور المذكور أنه ذهب بعساكره وعساكر الشريف من الطائف إلى ناحية تربة والمتآمر عليها امرأة فحاربتهم وانهزم منها شر هزيمة فحنق عليه الباشا وأمره بالذهاب إلى مصر مع المحمل.
وفيه، أرسل الباشا يستدعي اثنتين أو ثلاثة عينهن من محاظيه وصحبتهن خمسة من الجواري السود الأسطاوات في الطبخ وعمل أنواع الفطور فأرسلوهن في ذلك اليوم إلى السويس وصحبتهن نفيسة القهرمانة وهي من جواريه أيضاً وكانت زوجاً لقاضي أوغلي المحتسب الذي مات بالحجاز في العام الماضي.
وفيه أيضاً وصل حريم الشريف غالب فعينوا له داراً يسكنها مع حريمه جهة سويفة العزى فسكنها ومعه أولاده وعليهم المحافظون واستولى الباشا على موجودات الشريف غالب من نقود وأمتعة وودائع ومخبآت وشرك وتجارات وبن وبهار ونقود بمكة وجدة والهند واليمن شيء لا يعلم قدره إلا الله وأخرجوا حريمه وجواريه من سرايته بما عليهن من الثياب بعد ما فتشوهن تفتيشاً فاحشاً وهتك حرمته قل اللهم مالك الملك هذا الشريف غالب انتزع من مملكته وخرج من دولته وسيادته وأمواله وذخائر وانسل من ذلك كله كالشعرة من العجين حتى أنه لما ركب وخرج مع العسكر وهم متوجهون به إلى جدة أخذوا ما في جيوبه فليعتبر من يعتبر وكل الذي وقع له بعد من التغريب وغيره فيما جناه من الظلم ومخالفة الشريعة والطمع في الدنيا وتحصيلها بأي طريق نسأل الله السلامة وحسن العاقبة.
وفي يوم الخميس، خامسه طاف الآغا أيضاً بأسواق المدينة وأمامه المناداة على أبواب الخانات والوكائل من التجار بأنهم لا يتعاملون في بيع البن والبهار إلا بحساب الريال المتعارف في معاملة الناس وهو الذي يصرف تسعين نصفاً لأن باعة البن لا يسمون في بيعه إلا الفرانسة ولا يقبضون في ثمنه إلا إياها بأعيانها ولا يقبلون خلافها من جنس المعاملات فيحصل بذلك تعب للمتسببين الفقراء والقطاعين ومن يشتري بالقنطار أو دونه فبهذه المناداة يدفع المشتري ما يشاء من جنس المعاملات قروشاً أو ذهباً أو فرانسة أو أي صنف من المعاملات ويحسبه المعاملة والريال المعروف بين الناس الذي صرفه تسعون نصفاً فضة وإذا سمى سعر القنطار فلا يسمي إلا بهذا الريال وهذه المناداة بإشارة السيد محمد المحروقي بسبب ما كان يقع من تعطيل الأسباب.
وفيه، سافر محمود بك وصحبته المعلم غالي للكشف عن قياس الأراضي البحرية التي نزل إليها القياسون بصحبة مباشريهم من النصارى والمسلمين من وقت انحسار الماء عن الأراضي وانتشروا بالأقاليم البحرية وهم يقيسون بقصبة تنقص عن القصبة القديمة.
وفي يوم الاثنين، تاسعه وصل حريم الشريف غالب من السويس فأنزلوهن ببيت السيد محمد المحروقي وعدتهن خمسة إحداهن جارية بيضاء والأربعة حبشيات ومعهن جواري سود وطواشية وحضر إليهم سيدهم وصحبته أحمد أغا أخو كتخدا بك وصحبتهم نحو العشرين نفراً من العسكر واستمر الجميع مقيمين بمنزل المذكور وهو يجري عليهم النفقات اللائقة بهم والمصاريف وفضل لهم كساوي من مقصبات وكشميري وتفاصيل هندية.
وفي يوم السبت، رابع عشره خرج محو بك إلى ناحية الآثار بعساكره ليسافر من ساحل القصير إلى الحجاز باستدعاء الباشا فاستمر مقيماً هناك عدة أيام لمخالفة الريح وارتحل في أواخره وفي أوائل هذا الشهر بل والذي قبله عملوا كورنتينه في إسكندرية ودمياط فيه رجع محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما.